هل يسيء السيد عبد الإله بنكيران لحرمة المؤسسات الدستورية؟


يتبادر إلى ذهن القارئ، منذ الوهلة الأولى، وهو يتصفح عنوان هذه الورقة أعلاه، مدى العلاقة التي قد تربط بين عنصريه: الشخص والمؤسسات، وطبيعة الرابط بينهما. وفي الحقيقة ما الذي يمكن أن يتوقعه المهتم والدارس لعلاقة تجمع بين شخص سبق له أن كان أمينا عاما لمؤسسة حزبية، وكان كذلك رئيسا لحكومة أتت بعيد دستور جديد، هذا الأخير الذي يعتبر بحق مكسبا حقيقيا ونوعيا في إطار ترسيخ دعائم دولة المؤسسات.

أقول لا يمكن أن يتوقع إلا حدوث علاقة طبيعية تجمع كل مواطن بمؤسسات بلاده، له من الغيرة والعشق لها ما يجعله يحرص على تدعيمها وتقويتها، كيف لا؟ وهي الضامنة للسير العادي لتسيير وتدبير شؤون بلاده، الداخلي منها والخارجي، وفي جميع الميادين، وعلى جميع الأصعدة.

لن يكون هدفنا من هذه الورقة، وضع علامة لطبيعة العلاقة التي ربطت وتربط بين السيد بنكيران ومؤسساتنا الوطنية؛ بقدر ما سنعمل على بسط نتفة من المواقف والتصريحات الذي قام بها الشخص المذكور اتجاهها؛ لنتبين مدى احترامه لحرمة مؤسسات بلاده؛ وللقارئ الكريم الحق في الحكم على هذه العلاقة وتجلياتها، وتصنيفها من جهة.

وله أن يحاكم ويحكم على مدى صدقية ما نحن بصدد التطرق إليه ودراسته من جهة ثانية. وتفاديا للإطالة، ولأن المقام لا يسمح باستعراض وتفصيل كل “الأذى” الذي يكون قد لحق أغلب المؤسسات من قبل الشخص/المواطن المذكور، فإننا سنقتصر على اثنتين منها:

  • الحكومة ورئاستها:

من منا لا يستحضر التصريح المثير والشائن الذي أدلى به السيد بنكيران، وهو يتسنم حكومة ما بعد دستور 2011، بخصوص وجود دولة داخل دولة، وأن الحكومة لا تتاح لها فرصة تسيير وتدبير شؤون البلاد ب”حرية” واستقلالية، وفي ظروف طبيعية، بل عمل على ابتكار معجم لا قبل للتاريخ السياسي والدستوري به كما هو متعارف عليه كونيا؛ من قبيل: “التماسيح” و”العفاريت” و”الدولة العميقة”، في إشارة منه إلى أن هناك من يعرقل مهمته.

كل هذا إذا ما أضفنا إليه روح التنافر والتضاد وعدم الانسجام التي بثها داخل تشكيلة الحكومة التي كان يرأسها، والتي جرت أطوارها بينه وبين باقي أطرافها، والأنانية المرافقة لذلك، إلى درجة انسحاب مكون أساس منها (حزب الاستقلال المنبثق عن الحركة الوطنية).

والغريب في الأمر أن وجهة تصريحاته لم تكن موجهة فقط صوب الداخل، بل إنه يممها في بعض الأحيان شطر الخارج، وبالضبط اتجاه دول كبيرة وحليفة لبلادنا. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن مواقفه اتسمت في بعض الأحيان بالتسرع، خصوصا وهو يترأس مؤسسة دستورية من عيار “الحكومة”.

- إشهار -

وتجدر الإشارة إلى أنه -وقبل ذلك- وبمناسبة الاستحقاقات الأخيرة (2016)، فقد سابق الزمن، فأعلن عن فوز حزبه بها، وبحضور قيادات هيئته السياسية، والذين كان من بينهم أحد أعضاء اللجنة المشرفة عليها (الانتخابات)؛ دون انتظار تصريح الجهة المخول لها قانونا فعل ذلك، مما قد يخلق انطباعا في الداخل ولدى الخارج بأنه لا يثق في مؤسسات البلاد، أو أن مؤسساتنا الوطنية مشكوك في نزاهتها؛ وهو الأمر الذي نعتبره أمرا مردودا عليه.

ولا يفوتنا التذكير بما ترتب من نتائج على جميع الأصعدة (سياسية واقتصادية واجتماعية، وغيرها…) عندما أوصل عملية “مفاوضات” تشكيل الحكومة الحالية إلى الباب المسدود، والتي دامت لمدة تزيد عن نصف حول، الشيء الذي لم يسبق له مثيل طيلة تاريخ تشكيل الحكومات المغربية لما بعد الاستقلال.     

والغريب أنه وحتى بعد إعفائه من مهمة تشكيل الحكومة وتعيين خلف له، وعدم تمديد ولايته أمينا عاما لحزبه بعد انعقاد وتصويت مجلس هيئته الوطني بالرفض؛ فإنه لم يتورع عن “تحقير” مؤسسة الحكومة، ولنا أن نستحضر دعوته للسيد العثماني (رئيس الحكومة) بالاستقالة في أكثر من مناسبة، ودون جدية وصدقية السبب؛ وفي هذا السياق استحضر ما رافق التصويت على مشروع القانون الإطار الخاص بالتربية والتكوين، ودعوته للعثماني بالرفض، و”تحريضه” له على الاستقالة، في حالة ما إذا تم التصويت بالإيجاب، وتمت المصادقة على مشروع القانون المشار إليه سلفا دون مراعاة مطابقتها للدستور، ومدى شرعيتها وقانونيتها! وللمزيد من التوضيح، فلطالما عمل على التجييش ضده (السيد العثماني)، بتوظيف الموالين له خصوصا داخل صفوف شبيبة حزبه؛ بل وصل به الأمر مؤخرا إلى حد القول بأن لا علاقة “متينة” تجمعه به.

ويجب أن نوضح هنا، أنه رب قائل يقول بأنه من حقه أن يقوم بذلك في حق أمين عام حزبه، وقبل ذلك وبعده، في حق واحد ممن اشترك معه في بناء المؤسسة الحزبية التي ينتميان إليها؟ وعلى الفور نقر بأن ذلك من شأنه وله الحق فيه؛ ولكننا نختلف معه جملة وتفصيلا، بل طولا وعرضا، عندما “يحقره” لصفته الحكومية، ذلك أن هذا النوع الأخير من “الإساءة” للسيد العثماني منذ توليه رئاسة الحكومة وفيما يخص شؤونها، إنما هي إساءة لكل المغاربة، باعتباره رئيسا لحكومتهم، سلموه مهمة رئاسة سلطتهم التنفيذية، بعد انتخابات أجمع الجميع على نزاهتها، وإلى جانبه وزراء من أكبر الهيئات السياسية المغربية؛ فأي “أذى” يتعرض له من أي كان، يخص اختصاصاته كرئيس للحكومة، لايعني شخصا بعينه وذاته  “السيد العثماني”، بل هو انتهاك لحرمة مؤسسة من أهم مؤسسات العملية الديموقراطية (الحكومة/السلطة التنفيذية).

  • البرلمان بمجلسيه:

على الرغم مما يسجل من ملاحظات في حق المؤسسة التشريعية، وهو الحق الذي يضمنه الدستور لكل مواطن مغربي، إلا أن هذه الملاحظات لا يمكن إلا أن تدفع في اتجاه تقويتها وتدعيمها، والدفع بها نحو تطوير أدائها؛ وبالتالي اعتبارها إضافة إيجابية في مسلسل بناء وترسيخ دولة المغرب الراهن والمستقبل، دولة المؤسسات. لن ننجر في التفصيل لبعض “الهفوات” التي ارتكبها السيد بنكيران، وسنكتفي فقط بآخر  وأحدث مسألة، اعتبرت من قبل المختصين والمتتبعين انتهاكا لهذه المؤسسة، وهي عندما قام السيد بنكيران بدعوة ممثلي حزبه بالمؤسسة التشريعية إلى التصويت بالرفض ضد مشروع القانون الإطار المتعلق بقطاع التربية والتكوين، وكان الأمر سيكون عاديا لو أنه واجههم ووجههم داخل هياكل هيئات حزبه التنظيمية، أو حتى عبر  توجيهيات رصينة ودقيقة؛ ولكن أن تكون مصورة مكسوة بخطاب ديني، يربط من خلاله بين من يصوت عليه (مشروع القانون الإطار) والجزاء الأخروي، خصوصا وأنه قد “توعدهم” ب”العقاب الإلهي”، وأن من صوت بالإيجاب على مشروع القانون المشار إليه سلفا، فهو بذلك قد عمل على تدمير الهوية العربية والمغربية والإسلامية؛ فحتى لو افترضنا أنه من حقه التوجيه والنقد لمنتخبي حزبه، فليس من حقه تعميم أحكامه هذه على الكل (مجموع من سيصوت بالإيجاب)، فمثل هكذا خطاب ذي الصبغة الدينية سيخلق الكثير من اللبس والتشويه، فكلما استجد مستجد إلا ويلجأ إلى “توظيف” الدين، والذي هو من ثوابت  الأمة، وبالتتابع هو ملك لكل المغاربة. وبذلك، وكعادته فإن تصريحات كهذه لن تضيف شيئا إيجابيا لهذه المؤسسة وللبلاد عامة، سوى زرع بذور الفرقة و”التمذهب”، وهو الأمر  الذي لم يكن له حضور من قبل، والذي لم ولن نعثر له على شبيه طيلة التاريخ السياسي المغربي.

(*) أستاذ التعليم العالي.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد