فتح القنصليات في الصحراء مشاركة دولية لتنفيذ الحكم الذاتي


تقديم؛

لا شك أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يحرر الديبلوماسية المغربية من ثقل الحسابات الضيقة والمعقدة، ويجعل المغرب ومركزه محل اعادة الاهتمام الدولي واعادة تقديره.

أولاً: القرار الأمريكي يحث المجموعة الدولية على قراءة وثائق الأمم المتحدة حول نزاع الصحراء لتصحيح التكييف.

ينقل القرار الأمريكي ومغربية الصحراء المجتمع الدولي من مجرد ملاحظ ومراقب، والحكم عليه مسبقا بتكييفه مجرد نزاع مغلق، ويتعلق بتحديد الوضع النهائي لإقليم، إلى جلب الاهتمام الدولي لإعادة قراءته قراءة موضوعية لفهم جديد يستوعب شرعية حقوق المغرب التاريخية ورجحانها القانوني، و أهمية المبادرة المغربية بالحكم الذاتي في اطار أنها الحل السياسي الواقعي، يستوعب مطالب كل الأطراف، ولا يلغي أحدا، ويصلح بذلك لأنهاء النزاع الذي عمر طويلا.

فالاعتراف الأمريكي هو نقلة نوعية لترسيخ القناعة الدولية، وتوعية المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ قرارات جريئة وصعبة لحسمه على غرار ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية. وتجنب سياسة الصمت الدولي والتخلي عن المجاملات التي طغت في العلاقات الدولية. والقرار الأمريكي، يعتبر منسجما مع عمل الأمين العام للأمم المتحدة في تقريريه 249/2006 الفقرة 39 والتقرير 307 لسنة 10 أبريل 2017 الفقرة 84 من باب الملاحظات والتوصيات.

فالإعلان الأمريكي يتجاوز دول الجوار التي ترفض الحل وتعرقله، ويكسر حالة الجمود التي طبعت موقف الأطراف الأخرى التي ترفض التحلي بالواقعية ومناقشة حل المغرب العملي والمشهود له من طرف مجموعة من الدول الكبرى، ومن طرف الأمم المتحدة منذ 2007 تاريخ تقديمه للأمين العام للأمم المتحدة بالواقعي، واسترسل مجلس الأمن في منحه تلك الشهادة. وبالمقابل بقي خصوم المغرب متحجرين عند اجراء الاستفتاء الذي ولت عنه الأمم المتحدة بسبب استحالة الوصول الى توافق بخصوص الكتلة الناخبة.

ثانيا: قرار أمريكا تكسر الجمود، وتمنح زخما سياسيا دوليا لتنفيذ مبادرة المغرب بالحكم الذاتي؛

الشيء الذي جعل الأمور تراوح مكانها. واحتاج الأمر الى مبادرة جريئة على غرار ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، بوضوح تام، ودون تردد، بحيث اعترفت للمغرب بمغربية الصحراء، وجعلت من الحكم الذاتي هو الحل الأوحد، ورفض غيره من الحلول، وأكثر من ذلك أنها أعلنت التزامها العمل على بلوغه والوصول اليه.

إذن هناك قناعة راسخة لدى أمريكا كدولة كبرى، صانعة التاريخ المعاصر، والفاعلة في الجغرافية السياسية بقوتها وعظمتها، دولة عضو دائم داخل مجلس، تحمل قلم تحرير قرارات مجلس الأمن، ومن الدول أصدقاء الصحراء. وملتزمة بفتح قنصلية في الصحراء المغربية، وتحفيز الاستثمار وتشجيع الأعمال في الصحراء المغربية، كل هذه الصفات لا شك ستنعكس ايجابا تعزيزا للموقف المغربي.

فالموقف الأمريكي هو بمثابة تنفيذ عملي وتنزيل واقعي لخلاصات وملاحظات وتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة، ولبنود قرارات مجلس الأمن الملزمة. ومستقبلا لا أفترض، مثلما لا أتصور نقاشا ومداولات داخل مجلس الأمن وباقي آليات الأمم المتحدة خارج هذه القناعة، التي هي المرور الى تنفيذ اجراءات الاشهاد الأممي على الحل، ودعوة كل الأطراف لتبنيه والقبول به، والمرور الى طرق ومراحل جعله قيد العمل والتنفيذ.

ثالثا: الحل في نزاع الصحراء معرف في إطار الحكم الذاتي وفتح القنصليات مشاركة دولية لتنفيذه؛

فالحل في نزاع الصحراء أصبح معرفا، وتم الاعلان والكشف عنه، ولا أتصور تراجع ونكوص المغرب عن مبادرته، مثلما لا اتصور امكانية تقديم المغرب لأي تنازل يتجاوز هذا العرض، وهذا السقف. وعمليا إجراءات تنفيذه الحكم الذاتي انطلقت وبدأت داخليا من الجانب المغربي عبر اقرار الجهوية المتقدمة، كمرحلة يطبعها الاستعداد والتمرين الاداري والتقني حول الجغرافيا السياسية، بتأهيل الساكنة وتكوين النخب، لتنمية المجال الترابي، لينعكس على العنصر البشري المقيم داخل الاقليم.

وفي نفس الوقت ليكون حضنا جذابًا ومغريا لمن هم خارجه، وبالضبط للمغاربة الذين اختاروا اللجوء في تندوف بغض النظر عن اسباب ودوافع كل واحد، وكل طرف منهم؛ سواء كان محتجا غاضبا، أو ناقما ومنتقما، أو جاهلا ومغررا به، أو ضحية مكرها.

أما على المستوى الخارجي، فان فتح مجموعة من الدول لقنصلياتها في كل من الداخلة والعيون، يتعدى مجرد التعبير عن موقف سياسي مؤيد ومساند للمغرب إلى المشاركة الفعلية والمساهمة العملية في وضع لبنات تطبيق وتنفيذ مشروع ومبادرة المغرب بالحكم الذاتي.

فهذه الخطوات تساعد في اعطاء المنطقة طابعا المتميز، الذي جعلها تستحق الحكم الذاتي، كما يجعلها هذا الاجراء منطقة دولية، ومندمجة في محيط ديبلوماسي عالمي، فهي سيادة متميزة ومتقدمة، ومتطورة تنضوي في إطار سيادة وطنية مغربية واحدة وكبيرة، فهي جزء متميز من كل مغربي واحد. وهو في جميع الأحوال احدى الشرطين المغربين في منظور سقف تنازلاته ورؤيته للحل، التي تحافظ على حقوقه. والمعلن عنها في خطاب ملكي؛ الانطلاق في التفاوض من الحكم الذاتي وبقاء الصحراء تحت سيادته.

ولمزيد من التوضيح أقول إن فتح القنصليات يندرج في إطار مسار مشاركة دولية لتوطيد وترسيخ الحل المغربي بالحكم الذاتي، فهو بذلك مشاركة دولية من أجل تنزيله وتمام ترويج وتطبيع دولي بالحل المغربي في إطار الحكم الذاتي. فالحل النظري استعصى النطق به، واحتاج الأمر إلى عملية نوعية تكسر الثبات وتذوب الجمود، وتعطي زخما، وحركية في المسلسل السياسي.

- إشهار -

رابعاً: فتح القنصليات قرار صعب لكنه ضروري للمرور نحول الحل، المفاوضات كانت وسيلة وليست غاية؛

وكانت مبادرات الدول بفتح القنصليات صعبة حقا، وبمثابة تلك اللحظات التي تسبق النطق بالأحكام والقرارات القضائية على إثر انتهاء القضاة من المداولات، وفيما يشبه اعلان نتائج الامتحانات. لأنها قرارات نقلت الترحيب والاشادة الدولية والأممية من إطار نظري الى تطبيق عملي. وارتقى الملف من إطار التدبير والتحقيق الى مرحلة الحسم العملي.

خامساً: التقدم المغربي يفرض عليه تحديا الاستمرار من أجل اشهاد دولي بنهائية النزاع؛

عمليا وواقعيا، فان المغرب كسب الرهان الأول، ومع ذلك فتفاصيل الحسم النهائي، هي على نفس قدر اهمية وصعوبة الأولى. لأن المهمة تنتقل من الإطار العام الى التفاصيل والجزئيات، ومن الماكرو الى الميكرو، وعادة ما يكون النقاش والمفاوضات حولها صعبة للغاية، لأنه مرحلة تثبيت العائد وأجرأته وتثمينه وجنيه.

فقد حقق المغرب بشكل جلي تقدم وحصانة لمركزه في سنة 2020، رغم أنها سنة جائحة كرونا، وهذا النصر يفرض على المغرب بصفة عامة، وعلى الديبلوماسية المغربية بصفة خاصة تحديا جديدا وكبيرا، وثقلا مضاعفا، تبعا للقاعدة التي تقول إن الاستمرار في النجاح أصعب من ادراكه ومن الوصول اليه. ومع ذلك، ومهما يكن من أمر فان الحسم يبقى في متناول المغرب.

سادساً: المرحلة صعبة ودقيقة تنفتح على حرب شاملة وفاصلة مع جزائر تستعد لها؛

ورغم ذلك فان المرحلة دقيقة وتنفتح على حرب شاملك مع الجزائر، فالأخيرة تستعد لمعركة فاصلة يؤكده تعديل دستورها لغاية السماح لجيوشها بمعارك خارج ترابها، الترويج لما سمي باتفاقية الدفاع المشترك مع البوليساريو، تسلحها غير المفهوم، دعوة وزير دفاعها السابق خالد نزار للعودة، وتبرئته من جناية كان حكمها ثقيلا، جعلها نزاع الصحراء من أمنها القومي ولن تقبل بأي حل خارج ارادتها.

سابعاً: التقدم المغربي تحقق بسبب خطة شاملة شملت تقييم واعادة النظر في عناصر كل السياسة الخارجية.

وتبقى الاشارة في النهاية إلى دور خطة المغرب الجديدة في افريقيا، واعتماده سياسة تنويع العلاقات، والوفاء للحلف في إطار جني وتبادل المنافع الاقتصادية، وجعلها في خدمة العائد السياسي السريع. وتخلي المغرب عن سياسة الوفاء التقليدي والمحاني للحلف مهما كلفه من ثمن، واعادة النظر فيه، والتفاوض لتطويره الى إطار التحالفات الاستراتيجية، واعتماد خطط العمل لتفعيله.

وكان انفتاح المغرب دون عقدة على الخصوم المجانيين، وجعلهم على الحياد كحد أدنى، وابداء الصرامة والحزم برسم الخطوط الحمراء في تسامحه في السياسة الخارجية. اضافة الى التزام المغرب التعاون والمساهمة في عمليات الأمم المتحدة الانسانية والأمنية، والانفتاح الدولي للتعريف بقدرات المغرب واهميته الاستراتيجية، مل ذلك جعل منه ممرا ضامنا، لا غناء عنه في افريقيا.

وكان لسياسة التعاون والتحالف والشراكة مع الدول في إطار ثنائي، ومع وتجمعات دولية اقليمية والجهوية والقارية لرفع كل التحديات العالمية في التنمية وفي تحفيز الاستثمار، والأمن، والارهاب والجريمة المنظمة والهجرة وغيرها نفس الأثر في رسم ملامح عن صورة لمغرب يحفز الاستثمار وشروطه.

على سبيل الختم:

من شأن كل ذلك في إطار نباهة البحث عن مظاهر تكامل وتطابق المصالح مع بقية دول العالم، واستشراف مآلات السياسة الدولية والتأقلم معها بسرعة، تقوية مكانة المغرب، وجعله يلعب دورا محوريا في صناعة القرار الدولي.

لقد فهم المغرب كيف يتم اتخاذ القرار الدولي، وعليه صنع طريقة للتأثير فيه والمساهمة فيه لأجرأة حقوقه.

*محامي بمكناس خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد