لا قُدِّست أمَّةٌ لا يأخذُ الضَّعيفُ فيها حقَّهُ!!


جاء في الحديث الصحيح (عند ابن ماجه رحمه الله) عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:

جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتقاضاهُ دَينًا كانَ عليْهِ فاشتدَّ عليْهِ حتَّى قالَ لَهُ أحرِّجُ عليْكَ إلَّا قضَيتَني فانتَهرَهُ أصحابُهُ وقالوا ويحَكَ تدري من تُكلِّمُ قالَ إنِّي أطلبُ حقِّي فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ هلَّا معَ صاحبِ الحقِّ كنتُم ثمَّ أرسلَ إلى خَولةَ بنتِ قيسٍ فقالَ لَها إن كانَ عندَكِ تمرٌ فأقرِضينا حتَّى يأتيَنا تمرُنا فنَقضِيَك فقالت نعَم بأبي أنتَ يا رسولَ اللَّهِ قالَ فأقرضَتْهُ فقضى الأعرابيَّ وأطعمَهُ فقالَ أوفيتَ أوفى اللَّهُ لَكَ فقالَ أولئِكَ خيارُ النَّاسِ إنَّهُ لا قُدِّست أمَّةٌ لا يأخذُ الضَّعيفُ فيها حقَّهُ غيرَ متَعتَعٍ.

الحديث يبين أجواء الحرية التي جاء بها الإسلام وأسس لها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع نهجها الخلفاء الراشدون قبل أن يجرفها الانقلاب الأموي الذي أحدث رجة كبرى في تاريخ الأمة مازلنا نعاني مخلفاتها إلى اليوم.

أعرابي (مواطن من عموم الناس..) يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب حقا له ويشتد عليه، أي بالغ في اللوم وفي إحراج النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حتى قال له “أحرج عليك” وهذه عبارة إذا قالها صاحب طلب أو حق تعني أنه غير منصرف ولا تارك صاحبه حتى يأخذ حقه حالا ولا مجال لتأجيل أو تأخير..

الصحابة الكرام رضوان الله عليهم انتهروا السائل بقولهم له “ويحك تدري من تكلم؟” أي نبهوه إلى لزوم الأدب مع الرسول الكريم وأنه يكلم رسول الله، وما فوق الأرض وقتئذ من نبي إلا هو عليه الصلاة والسلام.. وأنه صاحب الخلق العظيم الصدوق الذي لا يخلف الوعد ولا يأخذ حق الغير. وأنه أمير الأمة وقتها الحاكم بالعدل والشورى والحرص على حقوق الناس أجمعين. (وليس معنى “أتدري من تكلم” إهانة السائل والنفخ في جبروت الحاكم كما يفعل المتملقون اليوم..)

قال الأعرابي إني أطلب حقي. قالها بكل اطمئنان وأمن وأمان ويقين لأنه يعرف من يخاطب! يعرف أنه أمام العدل المطلق والرحمة المهداة وفي أجواء حرية التعبير الحقيقية عن الآراء وعن الحقوق والحاجات..

وهنا يأتي التنبيه العظيم السديد من الرسول الحاكم العدل الكريم (هلا مع صاحب الحق كنتم؟) يربي الأمة أن تقف دائما إلى جانب صاحب الحق وتتجاوز عما يمكن أن يصدر منه من خلل في منهجية طلب هذا الحق ما دام صاحب حق ولا تلتفت “للشكليات” التي يمكن أن تحجب جوهر الأشياء.. الجوهر هو الحق الذي يجب أن يرجع إلى صاحبه.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم حاشاه أن يتخلف عن أداء الحق لصاحبه لكن واضح من الرواية الصحيحة أنه لم يكن في حوزته ما يؤدي به حق السائل فأرسل إلى خولة بنت قيس يقترض منها ما يسدد به حق الأعرابي.. كما يمكن أن يكون هذا الأعرابي قد جاء قبل الموعد إما ناسيا أو لحاجة ألمت به. أو ساقه القدر لنتعلم من هذه القصة هذا الدرس البليغ في تواضع الحاكم وفي مساواته مع أي مواطن في جانب الحقوق والواجبات وفي حق أي مواطن أن يطلب حقه عند الحاكم بكل حرية وفي حقه أن يقاضيه على ذلك و”يحرج” عليه حتى يأخذ حقه..! الله الله في هذه الأجواء وفي هذه العزة التي عاشتها الأمة وعاشها “المواطنون” في كنف الإسلام! اليوم الحاكم في البلاد العربية والإسلامية (واأسفاه) يأكل حق شعب بأكمله ومن قام مطالبا بحقه يكون مصيره الإهانة وربما السجن والعقاب!

الرسول الكريم لم يعط السائل حقه فحسب بل أكرمه وأطعمه فشهد بشهادته قائلا (أوفيت أوفى الله لك)!

- إشهار -

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (أولئك خيار الناس) وهو يمدح صاحب الحق على حرصه على طلب حقه بشجاعة رغم ما كان فيها مما يبدو أنه تجاوز أدب. كما يشير صلى الله عليه وسلم لفعله (وهو صاحب مقام النبوة المنزه عن كل عجب ورياء) تربية لأصحابه ولأمته، إلى يوم الدين، لما ينبغي أن يكون عليه كل إمام وقاض وحاكم في الأمة من التواضع والوقوف على الحقوق حتى ترجع لأصحابها، وفتح الأبواب لشكاوى الناس أجمعين وعدم التكبر والترفع عن عموم الأمة وإكرام الغرباء والتثبت الشديد والحذر من آراء المحيطين والمستشارين في مجال الحقوق والمظالم لأنه في نهاية المطاف الحاكم هو المسؤول الأول دنيا وأخرى ..

ثم يأتي التوجيه المجلجل للصحابة وللأمة إلى يوم الدين: (إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع!!) 

نعم يا سيدي يا رسول الله عليك أزكى الصلاة والسلام، وفداك أبي وأمي، كيف تقدس أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متردد ولا متلعثم ولا خائف ولا مرتبك أمام حاكم أو أمام من يمثله من سلطة في كل مستويات السلطة؟!

لا تقدس بمعنى لا تزكى ولا تطهر ولا تستحق الرضا والعون والنصر من الله.. ولا تستحق السيادة بين الأمم وأن تكون مثالا ونموذجا للناس والعالم أجمع!

نحن نعلم حال الأمة الآن ووضع الحقوق والحريات وكرامة الناس أمام مستبدين متسلطين محجوبين عن الأمة وعن حاجاتها وعن آلامها وعن آمالها..

لكن هل من طريق لاستئناف المسار تجاه هذا النموذج الخالد؟ نقول نعم وبكل عزة ويقين وتصديق لوعد الله الكريم الوهاب ووعد الرسول المصدق الأمين عليه الصلاة والسلام..

لكن دون ذلك عمل حثيث، وجد واجتهاد، وجهد مجمع مرصوص، وأخذ بأسباب التغيير بأدق تفاصيلها. ودعاء وتوكل على الحنان المنان.

(وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ) صدق الله العظيم.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
4 تعليقات
  1. hassan يقول

    اللهم إنا نسالك الثبات على هدي سيدنا محمد والعمل الصالح يرفع الله صاحبه.جزاكم الله احسن الجزاء

  2. علي يقول

    يا ليت حكامنا يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم!!! لكن هيهااااات.

  3. علي يقول

    يا ليت حكامنا يقتدون برسول الله.
    لكن هيهااااات

  4. ادريس يقول

    ياأخ مهداوي.

    أعلم مسبقا أن هذا التعليق لن ينشر, إنما رسالة من متتبع لموقعك الإخباري ومؤيد ومساند لك لمجهودك الصحافي المتواصل.
    لكن ياأخي نشر مقالات تتحدث أن قصص لادليل علمي أو حسي واحد يثبت وجودها برأيي هو كتصديق قصص ألف ليلة وليلة أو مغربيا قصص عايشة قنديشة وامي الغولة وماسواها.
    المغاربة ياأخي في حاجة لوعي فكري وثقافي وما أحوجهم لاتسخدام عقولهم في النقد والتفكير عوض قراءة وتصديق قصص لاندري مصدرها ولا في أي زمن ألفت ولا ماذا كان قصد مؤلفيها ؟؟؟؟
    تحياتي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد