البكاري: على رافضي التطبيع مواجهة التطبيع الثقافي والأكاديمي


خالد بوخش- قال المحلل السياسي والناشط الحقوقي خالد البكاري، بشأن تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، إن عقارب الساعة لا يُمكن ردّها للوراء، داعياً الرافضين للتطبيع إلى التركيز على محاصرة أوجه التطبيع الثقافي والأكاديمي، وعمليات التضليل التي تطول الذاكرة والتاريخ وبناء المتخيل. مشدّدا على أن ذلك هو الأخطر من أي تطبيع رسمي قد يتم التراجع عنه في سياقات أخرى مستقبلا.

ويرى البكاري، في هذا الحوار، أن اجتهادات “بوريطة” بشأن مفهوم التطبيع، تفتقد للإقناع، وهي أقرب لإنتاج خطاب تبريري، معتبرا أن تأسيسه على الخصوصية المغربية المرتبطة بوجود يهود من أصل مغربي بإسرائيل، لتبرير التطبيع، غير دقيق.

وبخصوص اعتبار الصراع في القضية الفلسطينية عقديا، قال البكاري إن المسألة في أدبيات الحركات الإسلامية، إذ تعتبر أن فلسطين وقف إسلامي، وأن تحرير الثغور فرض ديني، مشيرا إلى أنه لا يمكن ترحيل هذا الموقف إلى الصراع السياسي محليا.

يبدو من خلال مقالاتك أنك ضد التطبيع؟ ما البواعث الخفية وراء التطبيع؟ وما العمل بغض النظر عمن مع التطبيع أو ضده؟

ما أزعجني في الخطوة المغربية، التي لدي انطباع شخصي عنها، أن خلفها عمليات ابتزاز، وليست نتيجة سيرورة تفاوضية على أرضية رابح رابح، لأن كل المقدمات منذ أربع سنوات تفيد بأن النظام المغربي كان يرفض الانجرار نحو التطبيع الرسمي في ظل حكومة نتانياهو، ما أزعجني هو أنها جاءت في إطار صفقة أشبه بمقايضة مرتبطة بمغربية الصحراء، وهي القضية التي لا أقبل أن تكون موضع مساومات، وأنها جاءت بضغط من عراب أمريكي هو أسوء رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، ومع حكومة يمين قومي متطرف في إسرائيل، ودون ضمانات أن قرار ترامب سينعكس على موقف لصالح المغرب داخل مجلس الأمن. وأخيرا هو أنها ستنقل قضية الصحراء لتصبح متأثرة بتقلبات ما يقع في الشرق الأوسط.

الآن ما حصل حصل، ولا يمكن رد عقارب الساعة للوراء، ولذلك أتمنى ألا تضيق السلطة على الأشكال الاحتجاجية ضد هذا المسار، وفي المقابل أن يركز رافضو التطبيع على محاصرة أوجه التطبيع الثقافي والأكاديمي، وعمليات التضليل التي تطول الذاكرة والتاريخ وبناء المتخيل، فهذا هو الأخطر من أي تطبيع رسمي قد يتم التراجع عنه في سياقات أخرى مستقبلا.

لماذا تعيد في مقالاتك مصطلح التطبيع، الذي يعتبر انجرارا تداوليا مع المد المجتمعي في حين أن الأمر يتعلق؛ كما يقال؛ باستئناف العلاقات بإنشاء مكتب للتواصل بين المغرب وإسرائيل وليس تطبيعا تاما؟

مصطلح التطبيع normalisation أصبح من المصطلحات التي دخلت منذ زمن مختبرات البحث الأكاديمي في العلوم السياسية في العالم كله، وحتى كبريات الجامعات العالمية توظفه للدلالة على أي اتفاق أو تعاون أو مبادلات تجارية ـو حتى لقاءات فنية أو رياضية بين إسرائيل حكومة ومجتمعا مدنيا وبين باقي الدول المحسوبة على الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي التي كانت رافضة لمخطط التقسيم والاعتراف بدولة إسرائيل، وبالتالي للمصطلح كفاية تفسيرية وإجرائية، وسواء كان ما حصل اتفاقا جديدا (وهو كذلك) أو استئنافا لعلاقات تم تجميدها أو وقفها سنة 2002، أو كان إخراجا لهذه العلاقات من السر إلى العلن، فهي مشمولة بما يغطيه مصطلح التطبيع، في رأيي أن اجتهادات بوريطة لجعل التطبيع ينطبق على الحالة المشرقية وليس المغرب، تفتقد للإقناع، وهي أقرب لإنتاج خطاب تبريري،، لأن تأسيسه لرفض كلمة تطبيع على خصوصية مغربية مرتبطة بوجود يهود من أصل مغربي بإسرائيل غير دقيق، لوجود يهود من أصول تونسية ومصرية ويمنية وعراقية كذلك بإسرائيل، ولأنه وهذا الخطير يسلم ضمنيا بقانون أساس الدولة الإسرائيلي الذي يعرف إسرائيل بأنها دولة يهودية، وتبعا لذلك يحق لأي يهودي في العالم اكتساب جنسيتها الأصلية وليس المكتسبة، وهذا إرث صهيوني يوظف الميثولوجيا واللاهوت لشرعنة الاستيطان.

ألا تعتقد أن العلاقات بين إسرائيل والمغرب دائما كانت قائمة بشكل سري؟ إن كان الجواب نعم؛ فلماذا إذن هذه الضجة؟

يجب التمييز بين اللقاءات السرية وبين التطبيع السري، فاللقاءات السرية هي أمر عادي، حتى بين الدول التي في حالة حرب، فهذا لا علاقة له بالتطبيع من عدمه، فمثلا لا يمكن اعتبار اللقاءات التي جمعت سرا الملك حين كان وليا للعهد بوفد البوليساريو اعترافا بالجمهورية الصحراوية، أما التبادل التجاري والفني والرياضي والإعلامي والفلاحي الذي كان بين أطراف مغربية وإسرائيلية سرا فهي تندرج تحت التطبيع فعلا، لكن أن يصبح هذا الأمر تبريرا من طرف بوريطة لما حصل لاحقا، فأمر مؤسف لأن شخصية سامية لها مسؤولية في الدولة تبرر بأنشطة كيفما كان الموقف منها فهي كانت تحصل خارج القانون، أكان ذلك سرا أم علنا.

المشكل عندي وأعيد تكرار ذلك، ليس هو التطبيع الرسمي، فهو أمر يمكن التراجع عنه، وعلى أي حال فالمغرب لم يكن في أي لحظة محسوبا على المحور الرافض للاعتراف بإسرائيل، فلطالما كان عراب المفاوضات،، ولكن المشكل عندي في التطبيع المجتمعي والمدني مع كيان عنصري هو من آخر كيانات الأبارتايد، وهو تنامي هذا التطبيع ليس مع إسرائيل فقط، بل التطبيع مع السياسة مجردة عن المبادئ، تحت شعار: لا يهمنا الآخر، ومستعدون للتعاون مع أي جلاد مادام لا يقطع رقبتي، بل رقبة الآخر، وللأسف كشف ما وقع مدا شوفينيا وعنصريا وانتهازيا يتصاعد.

- إشهار -

قلت في تدوينة أن إسرائيل كيان استعماري؛ أليست دولة؟ مع العلم أن مسار التاريخ الواقعي الإنساني يجُب الكثير من المظالم والاستعمارات؟ هل يمكن براكماتيا وواقعيا العودة لخريطة ما قبل استعمار إسرائيل لمنطقة الشرق الأوسط؟ علما أن خريطة العالم والتقسيمات السياسية “الدولوتية” تتغير من زمن لآخر؟

أعتقد انه حين أقول إن إسرائيل هي دولة استعمارية، فهذا يعني إقرارا بأنها دولة، شخصيا وهذا موقفي الذي يرفضه الكثير من رفاقي، هو أن الممكن هو الدفاع عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإنشاء دولتهم المستقلة بكل مقومات الدولة ضمن الحدود المضمنة في القرارات الأممية ذات الصلة، وعودة اللاجئين، مع النضال من أجل حقوق كل المجموعات اللغوية والعرقية والثقافية في المواطنة التامة داخل إسرائيل، لكن هذا لن يلغي خطيئة النشأة على إسرائيل، كما لم يلغها عن الولايات المتحدة التي قامت على الإبادة العرقية للسكان الأصليين، مع التنبيه إلى أن حل الدولتين يجب أن يكون مقرونا بإضافة كلمة وفق القرارات الأممية ذات الصلة المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني، وإلا فإن صفقة القرن بدورها تتحدث عن حل الدولتين ولكن بتفسير يجعل السلطة الفلسطينية تتمتع فقط بحكم ذاتي على بانتوستانات متفرقة، فهو أقرب لما كانت دولة الأبارتايد الجنوب إفريقي تقدمه للسكان الأصليين السود،،، لكن يجب الانتباه أن العقيدة المؤسسة للدولة الصهيونية وللجيش الإسرائيلي لن تقبل وجود دولة فلسطينية على كامل الضفة والقطاع والقدس الشرقية كاملة السيادة على أراضيها، ولن تقبل تحول إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة مواطنة كأي دولة في العالم المتقدم لا تقوم على أساس ديني،، وهذا هو الإشكال الذي يهرب العالم كله من نقاشه، وستظل تلك المنطقة في حالة حرب مستترة ومعلنة إلى أن تتغير قواعد النظام الدولي.

تعلم أن المغرب يقود انتقالا ديموقراطيا؛ هل الوعي الشعبي قادر على بلورة ديموقراطية حقة في المغرب؟

للأسف ليس هناك دراسات علمية جادة حول تمثلاث المغاربة للديموقراطية، ووعيهم بتحدياتها، فكل ما هو موجود موسوم بالانطباعية، مؤداها أن المغاربة غير مهيئين للديموقراطية، وهو قول لا يستقيم، لكن ما وقع في 2011 بين أن هذه الشعوب مثل كل الشعوب في العالم لها تطلعات نحو الحرية والديموقراطية، وكانت حركاتها واحتجاجاتها سلمية، أما ما حصل لاحقا في سوريا أو اليمن فلا علاقة له بوعي الشعوب، بل بتدخلات خارجية او تدخل العسكر بعنف، والدليل هو نجاح تونس في الانتقال السلمي لأن الجيش كان محايدا، ولأن التدخلات الخارجية لم تكن بحجم ما حصل في اليمن وسوريا لأسباب لها علاقة بالموقع الجغرافي، وحتى بعد نجاح الثورات المضادة، عاودت الشعوب الاحتجاج سلميا في العراق والسودان ولبنان والجزائر، ورغم عدم تحقيق هذه الحركات لمطالبها، فإنها لم تنجر للعنف،، الحقيقة هي أن نخبا في السلطة أو حتى في المجتمع المدني تؤمن بأن ديموقراطية حقيقية ستحمل حركات هوياتية أو دينية للحكم، وأن اليساريين والليبيراليين يصعب أن يكونوا الاختيار الأول للشعوب، ولذلك يبنون حكما بأن الشعوب غير ناضجة، في اعتقادي الشخصي فإن اي تحول ديموقراطي سيمر حتما بمساهمة التيار الأصولي لأنه الأكثر تنظيما، وبالتالي فإن كل محاولات تحجيمه تزيده قوة، بينما حين يتم استدماجه في مسلسل دمقرطة يسبقها حوار وطني حول المبادئ فوق الدستورية، فإنه يمكن أن يتحول إلى ما يشبه الأحزاب الدينية المسيحية في أوروبا، ولعل حزب العدالة والتنمية المغربي أو التركي أو حركة النهضة باختلاف السياقات حدثت عندهم تحولات كبرى حين انتقلوا من ميدان المعارضة الجماهيرية إلى إكراهات التدبير .

هل التحالف مع الإسلاميين وخصوصا العدل والإحسان التي تقول بالخلافة في مشروعها السياسي قد يساهم في بناء مغرب ديموقراطي فاصل للسلط يؤمن بالعقل والعلم؟

يجب أن ننطلق من أن جماعة العدل والإحسان هي تنظيم يضم مواطنين مغاربة، وأنها جماعة سلمية، أما حديثها عن الخلافة على منهاج النبوة فهو أقرب إلى اليوتوبيا “المثالية”، وأعتقد أن مواقف العدل والإحسان حدثت فيها اختراقات للنصوص المؤسسة التي كتبها الشيخ ياسين، فالعدل والإحسان تتطور بدورها في بيئة سياسية غير ديموقراطية،، المسألة في اعتقادي غير مرتبطة بما هو مدون في النصوص، الأمر مرتبط بحصول قناعة عند الجميع أنه يستحيل انتقال ديموقراطي بإقصاء أي مكون، ولذلك فإن المطلوب مرحليا في الشروط التي نمر منها ليس هو التحالف، بل فقط تدشين حوارات بينية لتوضيح المواقف، وفي مرحلة لاحقة قد يكون هناك حوار وطني مفضي لتفاهمات حول المبادئ فوق الدستورية التي لا يحق لأي كان وصل إلى السلطة التراجع عنها،، ولذلك فإننا حين ننفتح على الحوار مع العدل والإحسان أو غيرها فهو لترسيخ ثقافة الإنصات للآخر والحوار، وهذا لا يعني ألا ننتقد الجماعة، طرحي بسيط جدا، وهو أن نخوض تمرين الحوار.

بناء على جوابك أن العدل والإحسان يضم مواطنين مغاربة؟  أليس من غير المجدي؛ كما يقال؛ الحوار مع من يبني صراعه على العقدي كما قال حسن بناجح ويترك الصراع الطبقي والإمبريالي أو كحد أدنى مسألة الديموقراطية الحقة المتعارف عليها كونيا؟

لم أطلع على تصريح حسن بناجح، وإذا كان يعتبر أن الصراع السياسي في المغرب هو صراع عقدي، فأعتقد أنه قبل أن يكون متناقضا مع الديموقراطية، فهو متناقض مع مشروع ياسين نفسه، الذي رغم انطلاقه من مرجعية دينية، فهو يرفض اعتبار الصراع بين مسلمين وغير مسلمين،، ولذلك أنا استغرب أن يكون بناجح قال هذا الكلام، ومن هنا فهذا يؤكد أهمية الحوار مع الآخر حتى تتضح المواقف..

لم يقل إن الصراع السياسي في المغرب عقدي؛ ولكن يمكن أن نستنتج ذلك من كلامه عن الصراع في الشرق الأوسط الذي اعتبره عقديا رغم أن هناك فلسطينيين مضطهدين أيضا في إسرائيل ومسلمين تقلدوا مناصب مؤسساتية إسرائيلية؟!

هذا تصريح عادي في أدبيات الحركات الإسلامية التي تعتبر أن فلسطين وقف إسلامي، وأن تحرير الثغور فرض ديني، ولا يمكن ترحيل هذا الموقف إلى الصراع السياسي محليا، فحتى في إسرائيل هناك أحزاب دينية تعتبر الصراع دينيا، وأخرى لا تعتبره كذلك،، لا أعتقد أنه يجب تحميل هذا التصريح أكثر مما يحتمله، والذي يفيد أن مواجهة الاحتلال هو واجب ديني.

أعجبك المقال؟ شاركه على منصتك المفضلة..
قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. Elkhalil Ramouk يقول

    الحوار مهم وبلامس اشكاليات متعددة على مستوى الوعي الجمعي والهوياتي والسياسي..غير انني اذكر الساءل ان: الخبر مقدس والتعليق حر…قال ليس هي: نستنتج من قوله..الاول تصريح والثاني قراءة للتصريح..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد